سورة النساء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين.
أحدهما: أنهم الأزواج، وهو قول الجمهور، واحتجوا بأن الخطاب للناكحين قد تقدم، وهذا معطوف عليه، وقال مقاتل: كان الرجل يتزوج بلا مهر، فيقول: أرثكِ وترثيني، فتقول المرأة: نعم، فنزلت هذه الآية. والثاني: أنه متوجّه إلى الأولياء ثم فيه قولان:
أحدهما: أن الرجل كان إِذا زوّج أيِّمة جاز صداقها دونها، فنهوا بهذه الآية، هذا قول أبي صالح، واختاره الفراء، وابن قتيبة.
والثاني: أن الرجل كان يعطي الرجل أخته ويأخذ أخته مكانها من غير مهر، فنهوا عن هذا بهذه الآية، رواه أبو سليمان التيمي عن بعض أشياخه.
قال ابن قتيبة: والصدقات: المهور، واحدها: صدقة. وفي قوله: {نحلة} أربعة أقوال.
أحدها أنها بمعنى الفريضة، قاله ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد، ومقاتل. والثاني: أنها الهبة والعطية، قاله الفراء.
قال ابن الأنباري: كانت العرب في الجاهلية لا تعطي النساء شيئا من مهورهن، فلما فرض الله لهن المهر، كان نحلة من الله، أي: هبة للنساء، فرضا على الرجال.
وقال الزجاج: هو هبة من الله للنساء. قال القاضي أبو يعلى: وقيل: إِنما سمي المهر: نحلة، لأن الزّوج لا يملك بدله شيئاً، لأن البضع بعد النكاح في ملك المرأة، ألا ترى أنها لو وُطئت بشبهة، كان المهر لها دون الزوج، وإِنما الذي يستحقه الزوج الاستباحة، لا الملك.
والثالث: أنها العطية بطيب نفس، فكأنه قال: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون، قاله أبو عبيدة.
والرابع: أن معنى النحلة: الديانة، فتقديره: وآتوهن صدقاتهن ديانة، يقال: فلان ينتحل كذا، أي: يدين به، ذكره الزجاج عن بعض العلماء.
قوله تعالى: {فان طبن لكم} يعني: النساء المنكوحات. وفي {لكم} قولان:
أحدهما: أنه يعني الأزواج.
والثاني: الأولياء. والهاء في {منه} كناية عن الصداق، قال الزجاج: و{منه} هاهنا للجنس، كقوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} معناه: فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن، فكأنه قال: كلوا الشيء الذي هو مهر، فيجوز أن يسأل الرجل المهر كله. و{نفساً}: منصوب على التمييز.
فالمعنى: فان طابت أنفسهن لكم بذلك، فكلوه هنيئا مريئا. وفي الهنيء ثلاثة أَقوال.
أحدها: أنه ما تؤمن عاقبته.
والثاني: ما أعقب نفعا وشفاءً.
والثالث: أنه الذي لا ينغِّصُه شيء. وأما المريء فيقال: مرى الطعام: إذا انهضم، وحمدت عاقبته.


قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} المراد بالسفهاء خمسة أقوال.
أحدها: أنهم النساء، قاله ابن عمر.
والثاني: النساء والصبيان، قاله سعيد بن جبير، وقتادة، والضحاك، ومقاتل، والفراء، وابن قتيبة، وعن الحسن ومجاهد كالقولين.
والثالث: الأولاد، قاله أبو مالك. وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن ابن عباس، وروي عن الحسن، قال: هم الأولاد الصغار.
والرابع: اليتامى، قاله عكرمة، وسعيد بن جبير في رواية.
قال الزجاج: ومعنى الآية: ولا تؤتوا السفهاء أموالهم، بدليل قوله: {وارزقوهم فيها}. وإنما قال: {أموالكم} ذكراً للجنس الذي جعله الله أموالاً للناس. وقال غيره: أضافها إِلى الولاة، لأنهم قوّامها.
والخامس: أن القول على إِطلاقه، والمراد به كل سفيه يستحق الحجر عليه، ذكره ابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي، وغيرهما، وهو ظاهر الآية.
وفي قوله: {أموالكم} قولان. أحدهما: أنه أموال اليتامى. والثاني: أموال السفهاء.
قوله تعالى: {التي جعل الله لكم قياما} قرأ الحسن: {اللاتي جعل الله لكم قِواماً}. وقرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وأبو عمرو: {قياماً} بالياء مع الألف هاهنا، وقرأ نافع، وابن عامر: {قَيِّماً} بغير ألف.
قال ابن قتيبة: قياماً وقواماً بمنزلة واحدة، تقول: هذا قوام أمرك وقيامه، أي: ما يقوم به أمرك. وذكر أبو علي الفارسي أن {قواماً} و{قياماً} و{قيماً}، بمعنى القوام الذي يقيم الشأن، قال: وليس قول من قال: {القيم} هاهنا: جمع: قيمة بشيء.
قوله تعالى: {وارزقوهم فيها} أي: منها. وفي القول المعروف ثلاثة أقوال.
أحدها: العدة الحسنة، قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، ومقاتل.
والثاني: الردّ الجميل، قاله الضحاك. والثالث: الدعاء، كقولك: عافاك الله، قاله ابن زيد.


قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى} سبب نزولها أن رجلاً، يقال له: رفاعة، مات وترك ولداً صغيراً، يقال له: ثابت، فوليه عمّه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله؟ ومتى أدفع إِليه ماله؟ فنزلت هذه الآية، ذكر نحوه مقاتل. والابتلاء: الاختبار. وبماذا يختبرون؟ فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم يختبرون في عقولهم، قاله ابن عباس، والسدي، وسفيان، ومقاتل. والثاني: يختبرون في عقولهم ودينهم، قاله الحسن، وقتادة. وعن مجاهد كالقولين.
والثالث: في عقولهم ودينهم، وحفظهم أموالهم، ذكره الثعلبي. قال القاضي أبو يعلى: وهذا الابتلاء قبل البلوغ.
قوله تعالى: {حتى إذا بلغوا النكاح} قال ابن قتيبة: أي: بلغوا أن ينكحوا النساء {فان آنستم} أي: علمتم، وتبيّنتم. وأصل: أنست: أبصرت. وفي الرشد أربعة أقوال.
أحدها: الصلاح في الدين، وحفظ المال، قاله ابن عباس، والحسن.
والثاني: الصلاح في العقل، وحفظ المال، روي عن ابن عباس والسدي.
والثالث: أنه العقل، قاله مجاهد، والنخعي.
والرابع: العقل، والصلاح في الدين، روي عن السدي.
فصل:
واعلم أن الله تعالى علَّق رفع الحجر عن اليتامى بأمرين؛ بالبلوغ والرشد، وأمر الأولياء باختبارهم، فإذا استبانوا رشدهم، وجب عليهم تسليم أموالهم إليهم.
والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء؛ الاحتلام، واستكمال خمس عشرة سنة، والإِنبات، وشيئان يختصان بالنساء: الحيض والحمل.
قوله تعالى: {ولا تأكلوها إِسرافاً} خطاب للأولياء، قال ابن عباس: لا تأكلوها بغير حق. و{بداراً}: تُبادِرون أكل المال قبل بلوغ الصبِيّ {ومن كان غنياً فليستعفف} بماله عن مال اليتيم. وفي الأكل بالمعروف أربعة أقوال.
أحدها: أنه الأخذ على وجه القرض، وهذا مروي عن عمر، وابن عباس، وابن جبير، وأبي العالية، وعبيدة، وأبي وائل، ومجاهد، ومقاتل.
والثاني: الأكل بمقدار الحاجة من غير إِسراف، وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وعطاء، والنخعي، وقتادة، والسدي.
والثالث: أنه الأخذ بقدر الأجرة إِذا عمل لليتيم عملاً، روي عن ابن عباس، وعائشة، وهي رواية أبي طالب، وابن منصور، عن أحمد رضي الله عنه.
والرابع: أنه الأخذ عند الضرورة، فان أيسر قضاه، وإن لم يوسر، فهو في حل، وهذا قول الشعبي.
فصل:
واختلف العلماء هل هذه الآية محكمة أو منسوخة؟ على قولين.
أحدهما: محكمة، وهو قول عمر، وابن عباس، والحسن، والشعبي، وأبي العالية، ومجاهد، وابن جبير، والنخعي، وقتادة في آخرين. وحكمها عندهم أن الغني ليس له أن يأكل من مال اليتيم شيئاً، فأما الفقير الذي لا يجد ما يكفيه، وتشغله رعاية مال اليتيم عن تحصيل الكفاية، فله أن يأخذ قدر كفايته بالمعروف من غير إِسراف. وهل عليه الضمان إذا أيسر؟ فيه قولان لهم.
أحدهما: أنه لا ضمان عليه، بل يكون كالأجرة له على عمله، وهو قول الحسن، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وأحمد بن حنبل.
والثاني: إذا أيسر وجب عليه القضاء، روي عن عمر وغيره، وعن ابن عباس أيضا كالقولين.
والقول الثاني: أنها منسوخة بقوله: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29] وهذا مروي عن ابن عباس، ولا يصح.
قوله تعالى: {فأشهدوا عليهم} قال القاضي أبو يعلى: هذا على طريق الاحتياط لليتيم، والولي، وليس بواجب، فأما اليتيم، فإنه إذا كانت عليه بيِّنة، كان أبعد من أن يدّعي عدم القبض، وأما الولي، فإن تظهر أمانته، ويسقط عنه اليمين عند إِنكار اليتيم للدَّفع. وفي الحسيب ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الشهيد، قاله ابن عباس، والسدّي، ومقاتل.
والثاني: أنه الكافي، من قولك: أحسبَني هذا الشيءُ أي: كفاني، والله حسيبي وحسيبك، أي: كافينا، أي: يكون حكماً بيننا كافيا.
قال الشاعر:
ونُقْفي وليد الحي إن كان جائعاً *** ونُحسِبُه إن كان ليس بجائع
أي: نعطيه ما يكفيه حتى يقول: حسبي قاله ابن قتيبة والخطابي.
والثالث: أنه المحاسب، فيكون في مذهب جليس، وأكيل، وشريب، حكاه ابن قتيبة والخطابي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8